maratli نـــــائـــب الـــــمــــدير الــــعــــام
عدد الرسائل : 47 العمر : 39 تاريخ التسجيل : 09/12/2006
| موضوع: يوم في المحطة " قصة قصيرة " الجمعة ديسمبر 22, 2006 12:34 pm | |
| يوم في المحطة
كنت أسرع الخطى لدرجة تقترب من الجري آملاً اللحاق بالقطار الذي وصل للتو، فأنا أعرف أن هذا القطار يتوقف لأقل من نصف دقيقة ريثما ينزل بعض الركاب ويصعد آخرون ثم ينطلق دون إنتظار لأحد، كنت متيقنًا إلى حد كبير أنني لن ألحق بالقطار لكني قلت في نفسي إنها محاولة قد تغنيني عن إنتظار القطار التالي، بدأت أقلل من سرعتي بالتدريج وأنا أنظر ( بحسرة ) إلى القطار وهو يمضي في طريقه مبتعدًا، وأدركت حينها أن علي إنتظار القطار التالي الذي من المفترض أن يصل بعد ربع الساعة تقريبًا، لكم عليكم أن تدركوا أمرًا هنا بخصوص كلمة " من المفترض " وهو أنه في بلدي كثير من الأشياء التي من المفترض أن تحدث في الحقيقة لا تحدث على الإطلاق! ، وحينما تسأل عن السبب تحصل على إجابات تجعلك تدرك أنه لم يكن من الحكمة أن تسأل عنها من الأساس، ألقيت نظرة على المقاعد الإسمنتية على رصيف المحطة لعلي أجد مكانًا خاليًا، لم أكن متعبًا جدًا لكن على كل حال فالجلوس أفضل من الوقوف في هذا الجو الذي يميل إلى الحرارة، كل المقاعد كانت مشغولة بالفعل، لكني لمحت أحد الجالسين قد إستغنى عن مقعده للتو فإتجهت بخطواتي إليه، لكن في أثناء ذلك سبقتني إحداهن، بالطبع لا يظن أحدكم أنها كانت أسرع مني فكل ما في الأمر أنها كانت أقرب إلى المقعد! وحتى لا أحرج نفسي أمام المرأة والجالسين أكملت طريقي وتظاهرت أنني كنت متجهًا إلى بائع الصحف الذي يفترش ببعضها الأرض وأخذت أطالع العناوين متململاً دون أن أجد في أيٍ منها ما يثير فضولي لدرجة أضطر معها إلى شراء الصحيفة، أسندت ظهري إلى أحد الأعمدة منتظرًا، مر أمامي قطار في الإتجاه المعاكس، كان القطار ممتلئًا في الأصل عندما وصل فزاده الركاب الذين صعدوا إمتلاءًا، في هذا القطار لا يعبأ الركاب كثيرًا بالزحام لأنه من القطارات التي تعمل داخل المدينة فقط، ومعظمهم لا يمانعون في الوقوف حتى نهاية الرحلة، مرت الآن عشرة دقائق، أبصرت أحد كبار السن واقفًا يحمل كيسًا من الخيار وينتظر القطار مثلي، يبدو أنه عائد إلى البيت، هناك على السلم الذي يؤدي إلى رصيف المحطة كان البعض يفترش الدرجات، فكرت في الجلوس مثلهم، لم تكن تلك الدرجات متسخة جدًا ولكنها أيضًا لم تكن نظيفة، نظرت في ساعة يدي، لقد مرت ربع ساعة الآن، فضلت البقاء واقفًا على الجلوس والتضحية ببعض الأوساخ تعلق في ملابسي خصوصًا أنني كنت أرجو أن يصل القطار قريبًا، مرت دقائق ثقيلة وأنا أنتظر دون جدوى، وفجأة سمعت صوت قطار آت فتلفتت مستبشرًا لكني أدركت على الفور أن الصوت قادم من الإتجاه الآخر، مشهد صعود الركاب في القطار الآخر كان يشير حسرتي وربما حسدي أيضًا، وأعتقد أن كثير من الركاب الذين ينتظرون مثلي كان لديهم نفس الشعور، رجعت مرة أخرى إلى العمود لأستند عليه، شعرت برغبة في الجلوس لكن المقاعد لا تزال مملوءة، وهي لن تصبح خالية إلا عندما يصل القطار وفي ذلك الوقت سيكون خلوها بالنسبة لى كعدمه، الحل الآخر هو الجلوس على الدرجات المتسخة، معادلة صعبة وكلما مر الوقت إزدادت صعوبة، فلو أنني كنت جلست في البداية لهان الأمر لكن ما يدريني الآن أنني لو جلست لن يأتي القطار في نفس اللحظة، الوقت يمر ببطء خصوصًا إذا لم يكن للإنسان عمل إلا النظر في الساعة ثم النظر حوله ثم النظر في الساعة مرة أخرى! ، الرجل الذي كان الخيار أخذ واحدة ومسحها في طرف ثوبه وبدأ في قضمها بتلذذ واضح، يبدو أنه عطش فلم يجد شيئًا غيرها يرطب به فمه، أو أنه يفعل ذلك ليكسر حدة الملل الذي ينتابه، فبعض الناس يجدون في الطعام تسلية وتنفيسًا عن النفس، كلما نظرت إلى أولئك الذين يجلسون بلا مبالاة على الدرجات راودتني نفسي بالجلوس معهم، لكني في كل مرة أقنعها أن القطار سيأتي ولا داعي للجلوس وتلويث ثيابي، القطار الثالث في الإتجاه الآخر يمر الآن، في هذه المرة لم ألتفت إليه حتى لا يزداد حنقي، بدأ ضجر الركاب يظهر الآن، البعض صامتون مع بعض التعبيرات على الوجه لا تخفي الضجر والملل، والبعض يسبون ويلعنون قائد القطار، والبعض يفعلون ذلك لكن مع المسئولين عن القطارات! ، والبعض يدعو الله أن يصل القطار، أحد الصبية صاح: " لقد مر قطاران في الإتجاه المعاكس ولم يمر أي قطار هنا " ، أردت أن أقول له إنها ثلاثة وليس إثنان لكني لم أفعل ذلك، في هذا المكان يمكنك أن تجد خليطًا فريدًا من الأشخاص لا يتفقون إلا في كونهم جائوا جميعًا ليستقلوا القطارات، وحتى كلمة " جميعًا " هذه فيها نظر! ، مر خلفي قطار من تلك التي تسافر خارج المدينة، كان قطارًا فاخرًا لا يستقله سوى الذين يقدرون على دفع ثمن تذكرته، يمكنك أن تعرف ذلك ببساطة بملاحظة الأشخاص الذين يصعدون إليه، أناس مهندمي الثياب، يحمل معظمهم حقائب جلدية صغيرة غالية الثمن، ويصعدون إلى القطار في نظام شديد وبلا تدافع أو تزاحم، ربما يسافر هذا القطار وثلاثة أرباع مقاعده خالية من الركاب، وإذا قارنته بالقطارات الأخرى ستصاب حتمًا بالذهول، فهذه القطارات يستحيل أن تسافر وهي غير ممتلئة عن آخرها بالركاب الواقفين، وبما يضيق القطار بهؤلاء فيصعدون إلى سطح القطار، لا أعرف الشخص الذي وضع هذا النظام الظالم قطعًا، لكن ما أعرفه أنه شخص شديد الغباء! ، في اللحظة التالية حدث شيئان الأول أنني لم أطق الوقوف أكثر من ذلك فجلست، والثاني أن القطار وصل!. للفنان ناجي العلي | |
|